Admin Admin
المساهمات : 255 تاريخ التسجيل : 14/08/2009
| موضوع: قطوف من النذالة الأحد أغسطس 23, 2009 12:27 am | |
| أسامة غريب
كنت معتاداً على الذهاب بنفسي الى المطار مع كل رحلة عندما كنت أعمل مديراً لشركة طيران في إحدى عواصم الغرب، وذلك من أجل الاطمئنان على سير العمل.
ذات يوم بينما كنت أقف بجوار الكاونتر أتابع طابور الركاب وجدت وجهاً أعرفه جيداً. أقبل عليّ الرجل وحياني بشدة فبادلته التحية قائلاً: أهلاً سيادة السفير..هل أنت مسافر معنا اليوم؟ فأجاب: بل زوجتي هي المسافرة. وإن هي إلا لحظات حتى رأيت الخدم العاملين في منزل السفير مقبلين يجرون عدة عربات عليها عدد كبير من الحقائب وخلفهم تسير الهانم في أناقتها المعهودة وهي ترسل للأفق نظرات ناعسة.
ابتعدتُ قليلاً لمتابعة بعض الأمور وانشغلت عنهم، وبعد قليل انتبهت على صوت شجار وأرهفت السمع فوجدت سيادة السفير مشتبكاً مع زوجته في معركة حامية، والسائق الخاص بسيادته يحاول تهدئته دون جدوى. علا الصوت على نحو لافت دفع الناس إلى الالتفاف حولهم لمتابعة منظر غير مألوف رأوا فيه رجلاً يزأر كالأسد في وجه امراة منكمشة على نفسها وهو يلوح بيديه في وجهها ويضرب الهواء بقبضته!.
تقدمت من الرجل وهو بدرجة سفير يعمل قنصلاً عاماً ممثلاً لبلاده في هذه العاصمة محاولاً أن أفهم ما الذي يحدث بينه وبين زوجته أمام الكاونتر وعلى مرأى من الركاب، فلما رآني هدأ قليلاً وقال لي: هل يرضيك ما تفعله بي هذه السيدة ؟ إنها لا تدرك حرج وظيفتي وأهمية مركزي وتتصرف كما لو كانت زوجة شخص عادي. قلت له وأنا لا أفهم شيئاً: ما هو الموضوع بالضبط يا سيادة السفير وما الذي جعلك تحتد إلى هذه الدرجة؟. قال: الهانم تريد أن تفضحني وتجعل شكلي سيئاً أمامك. قلت في دهشة: أمامي أنا..و كيف هذا؟ قال: إنها دون أن تسألني أو تأخذ رأيي أحضرت معها عشر حقائب من الوزن الكبير مستغلة ما تعرفه من صداقتي بك ومتصورة انني يمكن أن أسبب لك حرجاً في عملك الذي أعلم أنك لا تقبل فيه أي وساطات أو تقدم فيه أي تنازلات.
وقفتُ حائراً لا أدري ماذا أقول والرجل يستمر في تبكيت زوجته ويصدر أوامره للسائق والطاهي بأن يأخذا أربع حقائب من العشرة ويعودا بها إلى المنزل مرة أخرى ثم يقدم الجواز والتذكرة إلى موظفة الكاونتر ومعهما ست حقائب!.
نظرت الموظفة إلى الحقائب الست ثم أخبرتهم بوجوب دفع مقابل أربع حقائب زائدة عن المسموح. كانت تعليماتي للموظفين هي عدم استثناء أي شخص من دفع ما عليه تحت أي ظرف، لكن الموظفة التي شهدت الموقعة نظرت لي متسائلة فوجدت نفسي أشير إليها بما يعني السماح، ذلك أن الموقف العنيف للرجل مع زوجته قد ألجمني حقيقة وجعلني لا أقوى على التصرف كما تعودت.
بعد إقلاع الطائرة وأثناء خروجي من المطارمتوجهاً إلى سيارتي فوجئت بطباخ السفير يعدو ورائي منادياً. توقفت وسألته: ما الأمر؟ قال: عندي اعتراف لك لأن ضميري يؤنبني. قلت: هات ما عندك. قال: لقد كنتَ ضحية خدعة يا أستاذ. سألته: كيف؟ أجاب: إن سيادة السفير قد دبر هذه التمثيلية التي شاهدتها وقمنا معه في البيت بملء أربع حقائب بأشياء قديمة لا قيمة لها، وقد طلب من زوجته أن تسامحه لو اشتد عليها أمامنا وهو يأمر بإرجاع الحقائب الزائفة، وكل ذلك لأنه يعلم أنك لا تتساهل في تحصيل الوزن الزائد. قلت وأنا غير مصدق: ولماذا لم يطلب مني هذه الخدمة بشكل مباشر؟ قال: لقد خشي أن ترفض فيجد نفسه مضطراً للدفع، وأنت تعرف أن إنفاق الفلوس يؤلمه بشدة..ثم أضاف: وأنا أرى أنه كان محقاً لأن خطته قد أثمرت وحققت الغرض المطلوب!.
رغم كل ما أتصوره عن نفسي من خبرة بالحياة والبشر إلا انني لم أتصور أبداً أن رجلاً في هذا المركز وهذا الثراء يمكن أن يفعل ما فعل، وتساءلت بيني وبين نفسي ماذا لو أن هذا العبقري السافل وجّه شيئاً من قدراته الاستثنائية هذه في خدمة مواطنيه الذين يقاسون الأمرين من غياب السيد قنصلهم العام حينما يحتاجونه!.
| |
|
الملك
المساهمات : 23 تاريخ التسجيل : 23/08/2009
| موضوع: رد: قطوف من النذالة الأحد أغسطس 23, 2009 9:16 am | |
| | |
|